يشرق القمر حين يكون كاملاً من خلف البحر الأحمر على مدينة دهب الواقعة جنوب سيناء، بينما تغرب الشمس فيها خلف الجبال، إنها مدينة منسية بين الجبل والبحر، لم تلوّث السياحة في شكلها الماديّ المعولم روح المكان البسيطة التي يبثها أهل المدينة من البدو، في تنوع وانسجام مع الأجانب المقيمين فيها، بحثاً عن الشمس والبحر.
ربما كانت مدينة شرم الشيخ المجاورة لدهب تأخذ منها كل صيت السياحة، لكنها في جميع الأحوال لا تحتاج هذا الصيت، فأهلها يرضون بأقل القليل، فلن ترتدي دهب زياً لا يشبهها، ولن تصبح يوماً مدينة للسياح البرجوازيين، بل كانت ولا تزال تشبه اسمها القديم "بلد اليتيم"، فهي للوحيدين، الباحثين عن شفاء الروح، والرحالة.
وعلى الرغم من كل هذا الجمال الذي يجمع بشكل نادر السلام والتعايش والبساطة الحقيقية، من الصعب أن تجد فناناً يوثق فرادة هذه المدينة، أو يراها بطريقة إبداعية، فهي تحتاج إلى أن يحفظها الفن سواء كان تجريديا حداثيا أو كلاسيكيا.
كاميرا المصورة Nanna Kreutzmann عوضت بعضاً من هجران المدينة، والتقطت على مدى أكثر من عامين صوراً للمكان بكل حالاته وعايشت ألمه وفرحه، فللمدن أيضاً قلب نابض، عكسته صور نانا المعروضة على جدار مقهى lvovich على شاطئ المدينة عبر جهاز LCD، وسط نغمات موسيقى وصوت المطربة Aicha Makeba التي أضفت رهبة على الصور لا تستطيع معها سوى التأمل.
عدة ثيمات اختارتها المصورة لتقسيم عرض الصور، وجميعها تلقائية ما عدا القسم الأخير فقد كان "Setup" وستتحدث عنه المصورة بنفسها للجزيرة الوثائقية.
تقول نانا: "قسمت الثيمات لستة أقسام، يتعلق كل موضوع منها بالتحديات التي لاحظتها في المدينة، فالأول عن أيكلوجيا المكان، القمامة والنفايات خاصة التي قرب الحفرة الزرقاء".
والحفرة الزرقاء التي تقصدها هي إحدى أشهر مناطق الغوص في العالم تقام فيها المسابقات العالميّة وتسمّى بـ "البلو هول"، يصل عمقها إلى 94 متراً.
أما الثيمة الثانية فهي صورا لمجتمع الغوص الحر Freediving أي الذين يغصون دون أنابيب الأكسجين، ما اعتبرته المصورة تحديا شخصيا للإنسان، متابعة "الغوص على نفس واحد يمثل أقصى ما يصل له الجهد البدني والعقلي على حد سواء، ويقرب الإنسان من الطبيعة بقوته الفردية".
القسم الثالث يتحدث عن التحديات الثقافية، المتمثلة بحفنة الجنسيات المختلفة التي تعيش معا على الشاطئ، فتلتقط الكاميرا ديناميات العلاقات الشخصية بينهم.
وتشرح عن الثيمة الرابعة أنها تصور الحياة البرية الموازية للبحر سواء على الجبال أو في الصحراء، مضيفة " تتعلق هذه الثيمة باستدامة الحياة والوجود على هامش المجتمع أو العيش مع قوى الطبيعة".
ولم تنسَ المصورة أهم تحدي يواجه المدينة وهو التحدي السياسي والاقتصادي، فجاءت الثيمة الخامسة عن فراغ المباني في مدينة دهب، والتي كانت يوماً عامرة بالسياح، لكنها فرغت فجأة بسبب الأزمات السياسية، وفقدان الأحلام.
وعن الثيمة الأخيرة والتي جاءت بناء على تجهيز مسبق تقول نانا " إنه جزء من مشروع مع المصور اللبناني طوني حداد، وهو تصوير لحظة صراخ الناس تحت الماء، كل واحد على حدا".
وتضيف للجزيرة الوثائقية "يمكنك استدعاء هذا موضوع كرد فعل، حيث أخذنا الناس إلى بيئة جديدة من العناصر الطبيعية، وصورنا رد الفعل العاطفي الذي يحدث هناك"، معتبرة أن الصراخ ثيمة مرتبطة ارتباطاً وثيقا بحرية التعبير للشعوب.
وتؤكد المصورة أن عملها كمصورة محترفة تركز على المدينة لفترة طويلة، وعلى الرغم من ذلك فهذا معرضها الأول هنا.
وتقول " أثرت علي دهب كثيراً، ووجدت الهدوء، وعثرت على السلام والتوازن وأنا تحت الماء، وقد كنت أحتاج إلى ذلك بعد أن صورت سابقا الكوارث كما في فوكوشيما والصراع كما في الثورة بميدان التحرير، وقد صورت أيضاً مواضيع سطحية، لقد رأيت الناس في جميع حالاتهم ومناحي الحياة، لذلك احتجت إلى سلام مدينة دهب".
وتختم حديثها "في دهب أنا لست مُراقِبة، أنا مشاركة".
عايشة مكيبا فنانة دمجت المدينة بفنها، وفنها بالمدينة، ولم تكتفِ بدور العابر، فهي مُلحنة ومُغنية وكاتبة، عبرت عن روح المكان التي يستحقها بالموسيقى والكلمات.
تقول للجزيرة الوثائقية "شاهدت مجموعة صور نانا أولاً، ثم اخترت الكلمات والموسيقى المناسبة، وهكذا عزفت مع مجموعة من العازفين موسيقى حية تليق بروح البحر، وعمق الصور من حيث دلالتها وكادرها".
0 التعليقات:
إرسال تعليق